فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [18].
{وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} بيان لما تآمروا عليه من المكيدة، وهو أنهم أخذوا قميصه الموشى، وغمسوه في دم معز كانوا ذبحوه. و{كذب} مصدر بتقدير مضاف، أي: ذي كذب. أو وصف به مبالغة، كرجل عدل. و{على} ظرف لـ: {جاءوا} مشعر بتضمنه معنى افتروا.
وقوله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} أي: من تغيب يوسف، وتفريقه عني، والاعتذار الكاذب.
قال الناصر: وقواه على اتهامهم أنهم ادعوا الوجه الخاص الذي خاف يعقوب، عليه السلام، هلاكه بسببه أولاً، وهو أكل الذئب، فاتهمهم أن يكونوا تلقفوا العذر من قوله لهم: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْب} وكثيراً ما تتفق الأعذار الباطلة، من قلق في المخاطب المعتذر إليه، حتى كان بعض أمراء المؤمنين يلقنون السارق الإنكار. انتهى. وفي الإكليل: استنبط من هذا الحكم بالأمارات، والنظر إلى التهمة، حيث قال: {بَلْ سَوَّلَتْ}.
لطائف:
قال المهايمي: في الآية من الفوائد أن الجاه يدعو إلى الحسد، كالمال، وهو يمنع من المحبة الأصلية من القرابة ونحوها، بل يجعل عداوتهم أشد من عداوة الأجانب، وأن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود، وبمن يراعيه، وأنه إنما يكون برؤية الماكر نفسه أكمل عقلاً من الممكور به. وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة، بل أظهره فعلاً؛ لم يعتمد عليه.
وكذا من أظهر الأمانة قولاً وفعلاً يفعل الخيانة. وأن الإذلال والإعزاز بيد الله، لا الخلق. وأن من طلب مراده بمعصية الله بعد عنه، وأن الخوف من الخلق يورث البلاء، وأن الإنسان وإن كان نبياً، يخلق أولاً على طبع البشرية. وأن إتباع الشهوات يورث الحزن الطويل. وأن القدر كائن، وأن الحذر لا يغني من القدر.
قيل للهدهد: كيف ترى الماء تحت الأرض ولا ترى الشبكة فوقها؟ قال: إذا جاء القضاء عمي البصر.
والتسويل تزيين النفس للمرء ما يحرص عليه، وتصوير القبيح بصورة الحسن {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} صبر خبر أو مبتدأ، لكونه موصوفاً، أي: فشأني صبر جميل. أو فصبر جميل أجمل، والصبر قوة للنفس على احتمال الآلام كالمصائب إذا عرضت، والجميل منه هو ما لا شكوى فيه إلى الخلق ولا جزع، رضا بقضاء الله، ووقوفاً مع مقتضى العبودية.
{وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أي: المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف- كذا قدروه- وحقق أبو السعود، أن المعنى على إظهار حال ما تصفون وبيان كونه كذباً، وإظهار سلامته، فإنه علم في الكذب، قال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، وهو الأليق بما سيجيء من قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} [يوسف: من الآية 18 و83]، وتفسير المستعان عليه باحتمال ما يصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزء فيه، يأباه تكذبيه عليه السلام لهم في ذلك، ولا تساعده الصيغة، فإنها قد غلبت في وصف الشيء بما ليس فيه، كما أشير إليه. انتهى.
وفي قوله: {وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ} اعتراف بأن تلبسه بالصبر لا يكون إلا بمعونته تعالى.
قال الرازي: لأن الدواعي النفسانية تدعوه إلى إظهار الجزع، وهي قوية. والدواعي الروحانية تدعوه إلى الصبر والرضا. فكأنهما في تحارب وتجالد. فما لم تحصل إعانته تعالى لم تحصل الغلبة، فقوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يجري مجرى قوله: {إِيَّاكَ نَعبُدُ} وقوله: {والله المُستَعاَنُ} يجري مجرى قوله: {وإِيَّاك نَستَعِينُ}. انتهى.
ثم ذكر تعالى ما جرى على يوسف في الجب، بعد ما تقدم بقوله:

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [19].
{وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} أي: الذي يرد الماء ويستقي لهم: {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} أي: أرسلها في الجب ليملأها، فتعلق بها يوسف للخروج، فلما رآه: {قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ} وقرئ {يَا بُشْرَايَ} بالإضافة، والمنادى محذوف. أو نزلت منزلة من ينادي، ويقال: إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء.
قال الزجاج: معنى النداء في هذه الأشياء التي لا تجيب هو تنبيه المخاطبين، وتوكيد القصة، فإذا قلت: يا عجباه! فكأنك قلت: اعجبوا.
والغلام: الطارّ الشارب، أو من ولادته إلى أن يشب. والتنوين للتعظيم.
{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي: أخفوه متاعاً للتجارة فـ: {بِضاعَةً} حال. وفي الفرائد: أنه ضمن: {أَسَرُّوهُ} معنى جعلوه أي: جعلوه بضاعة مسرين، فهو مفعول به، أو مفعول له. أي: لأجل التجارة. والبضاعة من البضع، وهو القطع؛ لأنه قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة {وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.

.تفسير الآية رقم (20):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [20].
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} الضمير في أَسَرُّوهُ و{شَرَوْهُ} للسيارة؛ لأنها بمعنى القوم السائرين. وقد روي أنهم كانوا تجاراً من بلدة مدين. فلما أصعد واردهم يوسف وضموه إلى بضاعتهم، باعوه لقافلة مرت بهم سائرة إلى مصر بعشرين درهماً من الفضة، ثم أتوا بيوسف إلى مصر. و{دراهم} بدل من الثمن والمعدود، كناية عن القليل؛ لأن الكثير يوزن عندهم. والزهد فيه بمعنى الرغبة عنه.
فوائد:
قال في الإكليل، استنبط الناس من هذه الآية أحكام اللقيط، فأخذوا منها أن اللقيط يؤخذ ولا يترك. ومن قوله: {هذا غلام} أنه كان صغيراً، وأن الالتقاط خاص به، فلا يلتقط الكبير، وكذا قوله: {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} لأن ذلك أمر يختص بالصغار. ومن قوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أن اللقيط يحكم بحريته، وأن ثمن الحر حرام. قال بعضهم: وجه الاستدلال لأنهم باعوه بثمن حقير لكونه لقيطاً، وهو لا يملك؛ إذ لو ملك استوفوا ثمنه.
قال بعض الزيدية: ورد هذا الاستدلال بأن فعلهم ليس شريعة. وأما الآن فلا شبهة أن ظاهر اللقيط الحرية، كما أن ظاهره الإسلام.
قال المهايمي: ومن الفوائد أن الفرج قد يحصل من حيث لا يحتسب، وأنه ينتظر للشدة، وأن من خرج لطلب شيء قد يجد ما لم يكن في خاطره. وأن الشيء الخطير قد يعرض فيه ما يهونه. وأن البشرى قد يعقبها الحزن، والعزة قد يعقبها الذلة. وبالعكس.

.تفسير الآية رقم (21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [21].
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} يخبر تعالى عن لطفه بيوسف، إذ يسر له من اشتراه في مصر، فاعتنى به، وأوصى أهله، وتوسم فيه الخير والصلاح. ومعنى: {أَكْرِمي مَثْوَاهُ} اجعلي مقامه حسناً مرضياً. والمثوى محل الثواء، وهو الإقامة.
قال الشهاب: وإكرام مثواه كناية عن إكرامه على أبلغ وجه وأتمه؛ لأن من أكرم المحل بإحسان الأسرة، واتخاذ الفراش ونحوه، فقد أكرم ضيفه بسائر ما يكرم به. أو المثوى مقحم. كما يقال: المقام السامي.
روي أن القافلة لما نزلت مصر اشتراه منهم رئيس الشرط عند ملك مصر، فأقام في بيت سيده، والعناية الربانية تحفه، والنجاح يحوطه، فكان يرى سيده أن كل ما يأتي به ينجحه الله تعالى على يده، فنال حظوة لديه، وأقامه قيماً على كل ما يملكه، وضاعف تعالى البركة في زرعه وماله وحوزته.
{وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي: كما جعلنا له مثوى كريماً في منزل العزيز وقلبه، جعلنا له تصرفاً بالأمر والنهي، ومكانة رفيعة في أرض مصر، ووجاهة في أهلها، ومحبة في قلوبهم، ليكون عاقبة ذلك تعليمه تأويل الرؤيا التي ستقع من الملك، وتفضي بيوسف إلى الرياسة العظمى.
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} أي: لا يُمنع عما يشاء ولا يُنازع فيما يريد. أو على أمر يوسف، أريد به من الفتنة ما أريد غير مرة، فلم يكن إلا ما أراد الله له من العاقبة الحميدة.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: أن الأمر كله بيده، فيأتون ويذورن زعماً أن لهم شيئاً من الأمر. أو لا يعلمون لطائف صنعه، وخفايا لطفه.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [22].
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} هذه الآية كالتي قبلها، تخللت تضاعيف نظم القصة لمعنى بديع، وهو البدار إلى الإعلام بنتائج صبر يوسف، وثمرات مجاهداته، وعجائب صنع الله تعالى في مراداته، إذ طوى له المنح في تلك المحن، وذخر له السيادة في تلك العبودية. ومعنى: {بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي: زمان اشتداد جسمه وقوته.
قال أبو عبيدة: العرب تقول: بلغ فلان أشده، إذا انتهى منتهاه في شبابه وقوته قبل أن يأخذ في النقصان. والحكم إما الحكمة وهو العلم المؤيد بالعمل، أو الحكم بين الناس.
قال الزمخشري: وفي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} تنبيه على أنه كان محسناً في عمله، متقياً في عنفوان أمره، وأن الله آتاه الحكم والعلم جزاء على إحسانه.
وعن الحسن: من أحسن عبادة ربه في شبيبته، آتاه الله الحكمة في اكتهاله.

.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [23].
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} هذا رجوع إلى شرح ما جرى على يوسف في منزل العزيز بعد ما أمر امرأته بإكرام مثواه، من مراودتها له وإبائه. والمراودة: المطالبة. أي: طلبت منه أن يواقعها. وتعديتها بـ: {عن} لتضمينها معنى المخادعة. والعدول عن التصريح باسمها للمحافظة على السر والستر، وإيراد الموصول دون امرأة العزيز، لتقرير المراودة. فإن كونه في بيتها مما يدعو إلى ذلك. قيل لامرأة: ما حملك على ما لا خير فيه؟ قالت: قرب الوساد، وطول السواد. ولإظهار كمال نزاهته عليه السلام- كما سيأتي-.
و{هَيْتَ} قرئت كليت وقيل وحيث، وبكسر الهاء وبهمزة ساكنة بعدها، وفتح التاء وضمها. وهي في هذه اللغات اسم فعل بمعنى تعال. واللام لتبيين المفعول أي: المخاطب. ونقل عن الفراء أنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكة فتكلموا بها.
قال ابن الأبياري: هذا وفاقٌ بين لغة قريش وأهل حوران، كما اتفقت لغة العرب والروم في القسطاس ونحوه.
و: {مَعَاذَ اللّهِ} منصوب على المصدر. أي: أعوذ بالله معاذاً مما تدعينني إليه، لكونه زنى وخيانة فيما اؤتمنت عليه، وضراً لمن توقع النفع، وإساءة إلى المحسن.
قال أبو السعود: وهذا اجتناب منه على أتم الوجوه، وإشارة إلى التعليل بأنه منكر هائل! يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه، وما ذاك إلا لأنه عليه السلام قد شاهد بما أراه الله تعالى من البرهان النير على ما هو عليه في حد ذاته من غاية القبح، ونهاية السوء.
وقوله: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} تعليل للامتناع ببعض الأسباب الخارجية، مما عسى أن يكون مؤثراً عندها، وداعياً لها إلى اعتباره بعد التنبيه على سببه الذاتي الذي تكاد تقبله لما سولته لها نفسها. والضمير للشأن. وفائدة تصدير الجملة به، الإيذان بفخامة مضمونها، مع ما فيه من زيادة تقريره في الذهن، فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر، فيبقى الذهن مترقباً لما يعقبه، فيتمكن عند وروده له فضل تمكن. فكأنه قيل: إن الشأن الخطير هذا، وهو ربي، أي: سيدي العزيز، أحسن مثواي، أي: تعهدي، حيث أمرك بإكرامي، فكيف يمكن أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه؟ وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بألطف وجه. وقيل: الضمير لله عز وجل، و{رَبِّي} خبر، و{إِنَّ}، و{أَحْسَنَ مَثْوَايَ} خبر ثاني. أو هو الخبر، والأول بدل من الضمير. والمعنى: أن الحال هكذا، فكيف أعصيه بارتكاب تلك الفاحشة الكبيرة؟ وفيه تحذير لها من عقاب الله عز وجل. وعلى التقديرين، ففي الاقتصار على ذكر هذه الحالة من غير تعرض للامتناع عما دعته إليه، إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية في الدلالة على استحالته، وكونه مما لا يدخل تحت الوقوع أصلاً.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} تعليل للامتناع المذكور، غبّ تعليل. والفلاح الظفر، أو البقاء في الخير. ومعنى أفلح دخل فيه، كأصبح وأخواته. والمراد بالظالمين كل من ظلم، كائناً من كان، فيدخل في ذلك المجازون للإحسان بالإساءة، والعصاة لأمر الله تعالى، دخولاً أولياً. وقيل: الزناة، لأنهم ظالمون لأنفسهم، وللمزني بأهله. انتهى.
وقال بعض اليمانين: ثمرات هذه الآية ثلاث:
الأولى: أن الواجب عند الدعاء إلى المعصية الاستعاذة بالله من ذلك، ليعصمه منها، ويدخل فيه دعاء الشيطان، ودعاء شياطين الإنس، ودعاء هوى النفس.
الثانية: أن السيد والمالك يسمى ربًّا.
الثالثة: أنه يجوز ترك القبيح لقبحه، ورعاية حق غيره، وخشية العار، أو الفقر، أو الخوف، ونحو ذلك. ولا يقال: التشريك غير مفيد في كونه تاركاً للقبيح، وأنه لا يثاب. وتدل أيضاً على لزوم حسن المكافأة بالجميل، وأن من أخل بالمكافأة عليه كان ظالماً. انتهى.